هناك العديد من البشر يشكّون في وجود الله لأنَّهم لم يستطيعوا أن يكتشفوا أي شيء يثبت وجوده. إنَّ معرفة الله وإثبات وجوده هو بالتأكيد إحدى القضايا الدينية والفلسفية الكبيرة المطروحة. تمَّت مناقشة المفهوم البهائي لهذا الموضوع بشيء من العمق في الفصل السادس من الكتاب. وقد وضح لنا الدين البهائي بأنَّ الله سبحانه وتعالى أثبتت لنا وجوده بدلائل واضحة، وأنَّ محبته اللامتناهية لنا تكمن في إرساله للأنبياء والمرسلين بين الحين والآخر حتى يعرّف الخلق بمشيئته وإرادته.
أشار حضرة بهاء الله بأنَّ الله تعالى قد وعد البشرية بإرسال رسل ومظاهر إﻟﻬﻴﺔ بشكل متعاقب من أجل هداية وتوجيه العالم الإنساني. وقد سمّي هذا الوعد في الآثار البهائية "بالميثاق العام" أو "العهد العام". إنَّ تعاقب ظهور الأنبياء والرسل أو مظاهر الظهور واستمرارية ظهورهم كان أمرًا قديمًا منذ الأزل، حيث ظهر موسى عليه السلام بعد إبراهيم أبي الأنبياء وظهر السيد المسيح عليه السلام بعد موسى ومن ثمَّ ظهر سيدنا محمد عليه السلام بعد المسيح. وفي هذا العصر ظهر موعود كل العصور والمبشّر بظهوره، وهو حضرة بهاء الله. إن جميع الأنبياء والمرسلين سواء الذين ثبت بأنَّ لديهم تاريخًا مسجلاً أو الذين لم يدوّن لهم سجل كان لهم دور هام في حوادث الخطة الإﻟﻬﻴﺔ
العهد والميثاق هو اتفاق أو عقد يلتزم بإجرائه طرفا العقد. فالطرف الإﻟﻬﻲ فـي "العهد العام" هو وعده بتتابع إرسال مظاهر الظهور والرسل. واستجابة لهذا الوعد السماوي يقول حضرة بهاء الله بأنَّ للعباد وظيفتين تجاه الله سبحانه و تعالى الأولى: معرفة و قبول المبعوث السماوي عندما يظهر والثانية: إطاعته والعمل على تنفيذ تعاليمه وأحكامه. يقول حضرة بهاء الله في هذا الخصوص: "لأنهما معًا لا يقبل أحدهما دون الآخر(2)". ولهذا السبب لا يمكن اعتبار البهائيين من الخلفيات اليهودية والمسيحية أو أي دين آخر قد تركوا دينهم السابق عندما يصبحون بهائيين. إنَّهم يعتقدون بأنَّهم قد استجابوا لنفس النداء السماوي الصادر من المصدر نفسه. إنَّهم كما يقال حافظوا على العهد والميثاق في إقرارهم ومعرفتهم بمظهر الأمر الإﻟﻬﻲ الجديد ولم يكتفوا بالإيمان برسول واحد فقط أو اعتبار تعاليمه أفضل التعاليم كما كان ذلك ضمن الواجب الروحاني المورث لهم من عقيدة آبائهم وأجدادهم.

هناك نقطة أخرى حول مفهوم العهد العام يجب التركيز عليها. فنظرًا لعدم وجود بداية ونهاية لظهور الأنبياء والمرسلين، فإنَّ العقيدة البهائية لا تدعي بأنَّها الدعوة الإﻟﻬﻴﺔ الأخيرة من أجل الرقي الروحاني للجنس البشري، فقد تفضل حضرة بهاء الله قائلا: "لقد أرسل الله تعالى رسله بعد موسى وعيسى عليهما السلام وسيستمر في ذلك حتى النهاية التي لا نهاية لها…([44])". وقد أكدت الآثار المقدسة البهائية بأنَّه بعد "انقضاء مدة لا تقل عن ألف سنة كاملة" سيظهر رسول أو مظهر أمر سماوي جديد ليحمل على عاتقه عملية التطور المستمرة والأبدية في ظل هذا العهد الشامل هناك روابط أخرى بين الله والبشرية تتعلق بمراحل معينة من مراحل تطور وتكامل الجنس البشري وبروز الحضارة واللذين مرّا بمراحل عديدة. يعتقد البهائيون بأنَّ كل دين سماوي جاء ليحقق هدفًا معينًا من عملية التطور هذه. ومثلما ينمو الطفل بالتدريج ويتعلم مهارات مختلفة مثل الأكل والمشي والقراءة والعمل مع الآخرين وغيرها فإنَّ الجنس البشري ينمو ويترقى ببطء نحو البلوغ الروحاني وذلك بواسطة تطوير الطاقات الروحية الكامنة في الإنسان.

فمثلاً بظهور سيدنا إبراهيم عليه السلام عرف العبرانيون وحدانية الله واستطاعوا إظهار تلك الطاقات الإنسانية الكامنة في التطور بفضل تلك الحقيقة السامية. ومع مرور الوقت أصبح لهذا المفهوم تأثير كبير في الحضارة الغربية والإسلامية. وبالمثل جاء سيدنا موسـى "بالأحكام الإﻟﻬﻴﺔ" للعالم البشري كما بيّن بوذا الطريق نحو الانقطاع عن شئونات النفس والهوى وعلّم السيد المسيح الحب الإﻟﻬﻲ ومحبة الآخرين. أمَّا حضرة بهاء الله فقد شرح بأنَّ هذا النمو التدريجي للوعي الروحي الإنساني هو أمر طبيعي وضروري. مثلما على الطفل أن يتعلم المشي قبل الركض والقفز.

وللقيام بعمل ما، على الإنسان أن يتعلم الوسائل المناسبة لإنجاز ذلك. وطبقًا للعقيدة البهائية فإنَّ كل رسول سماوي قد وفّر لأتباعه الذين عرفوا مقامه تلك الوسائل الضرورية وذلك بإبرام عهد وميثاق بينه وبين أتباعه. وقد عرف هذا العهد في الآثار البهائية بالعهد الخاص. وقام كل رسول بتأسيس هذا العهد تمشيًا مع الاحتياجات المتغيرة لعملية تطور ونمو الجنس البشري. وقد سمي "بالعهد الخاص" ليس لأنَّه أقل أهمية وإنمَّا لأنَّ وظيفته تقع في ظل أهداف ومقاصد العهد العام. كما يمكن تسمية العهد الخاص "بالعهد المساعد" أو "العهد المتفرع" لأنَّه يخدم مساعدًا للهدف الإﻟﻬﻲ الأبدي الأكبر وكما ذكر، يعتبر البهائيون بأنَّ الهدف الأسمى لظهور حضرة بهاء الله هو تأسيس الوحدة العالمية. وعليه فإنَّ عهد وميثاق بهاء الله يقود إلى هذا الهدف، وعلى ذلك فإنَّ الوحدة العالمية لا تتطلب إحساسًا شديدًا بالأخوة والمحبة فحسب بل ويجب أن تحتوي على المؤسسات العالمية اللازمة لإيجاد الحياة الاجتماعية المتحدة المفعمة بالمحبة لأهل العالم، كما يجب وضع حد للحروب وتأسيس سلام عالمي رصين ومتين بين كافة الأمم والشعوب.

ذكر هذا التصور لمستقبل البشرية في الآثار البهائية وسمّي بالنظام البديع العالمي وهو نظام رائع في سعته وعظيم في عالميته. وعلى الرغم من أنَّ السواد الأعظم من الناس قد يوافقون الرأي على أنَّه هدف قيّم وهام، إلاَّ أنَّ البعض قد يعتبره هدفًا خياليًا وأنَّ مجتمعًا مثاليًا كهذا لا يمكن له أن يرى النور أو يتحقق. علاوة على ذلك يشعر الكثيرون بأنَّ الدين يجب أن يهتم أساسًا بالتطور الداخلي للإنسان، وقد يتعجبون عندما يرون بأنَّ الدين البهائي يركز تركيزًا كبيرًا على حياة البشرية المشتركة وعلى أشكال الأنظمة الاجتماعية ثمَّ تحقيق الأهداف الاجتماعية.

أمَّا السبب وراء ثقة البهائيين بإنَّ الوقت قد حان لاتحاد البشرية يعود إلى اعتقادهم بإنَّ وحدة العالم هي أصلاً إرادة الله جل وعلا وأنَّه خلقنا ووهب لنا القدرة والطاقة والوسيلة لكي نحقق ذلك. ويمكن اعتبار ميثاق بهاء الله في الأصل تلك الأداة الإﻟﻬﻴﺔ لإطلاق هذه القوى الروحانية وبالتالي تحقيق وحدة العالم الإنساني. هذا العهد والميثاق يمنحنا القوة الروحية لخلق الأمل وتقليب الأرواح وإزالة التعصبات ويعطينا نظامًا للأحكام والقوانين الاجتماعية والمؤسسات التي تعمل على أساس المبادئ الروحانية وتقوم بربطها بالاحتياجات العملية للإنسان. ومن خلال هذا النظام يشعر البهائيون بأنَّ الإنسان قادر على خلق مجتمع عالمي مبني على العدالة، وفي هذا الخصوص يقول حضرة بهاء الله: "قد اضطرب النظم من هذا النظم الأعظم واختلف الترتيب بهذا البديع الذي ما شهدت عين الإبداع شبهه أدَّى حضرة عبد البهاء دورًا رئيسيًا بارزًا في إرساء قواعد النظام الذي جاء به حضرة بهاء الله. أمَّا دوره في التاريخ البهائي فقد تحدثنا عنه سابقًا وتتضح لنا أهمية دوره في رسالة بهاء الله بتعيينه مركزًا لعهده وميثاقه من بعده. كما أعطيت له صلاحية تفسير وتبيّين الآيات الإﻟﻬﻴﺔ وتمَّ التأكيد بأنَّ تفسيره سيكون معصومًا عن الخطأ وموجّهًا بواسطة الغيب المنيع كما أجاز حضرة بهاء الله لابنه تطبيق تعاليمه وأحكامه طبقًا لما يراه مناسبا وحملّه مسئولية اتخاذ القرارات اللازمة لتأسيس مؤسسات النظام العالمي. وطبقًا لتلك الصلاحيات المخّولة لحضرة عبد البهاء، فقد جادت قريحته بالعديد من الرسائل والمقالات والكتب التي زخرت بها المكتبة البهائية وأضيفت إلى أساسيات الأدب في الدين البهائي. عين حضرة عبد البهاء بدوره حضرة شوقي أفندي رباني ليكون ولّيًا لأمر الجالية البهائية وأيضًا مفسرًا ومبينًا للآثار الكتابية المقدسة. وقد أشـرف حضرة عبد البهاء بنفسه على تأسيس أول محفل روحاني محلي، وتعتبر مؤسسة المحفل الروحاني مؤسسة رئيسية في النظام العالمي. أمَّا الآثار الكتابية التي صدرت من يراعة حضرة شوقي أفندي وأعماله ومجهوداته فقد مهّدت الطريق لتأسيس بيت العدل الأعظم.
إنَّ نموذج حياة حضرة عبد البهاء يبّين أهمية ومدى إمكانية تطبيق تعاليم حضرة بهاء الله في الحياة الروحية للأفراد وتطورها. وعلى أي حال لا يعتبر حضرة عبد البهاء رسولاً آخر أو مبعوثًا سماويًا مثل حضرة الباب وحضرة بهاء الله. فسلطة الرسول مستمدة مباشرة من الله العلي القدير وتكون جزءًا من قدراته الروحية، ولكن السلطة والصلاحية التي أعطيت لحضرة عبد البهاء جاءت من حضرة بهاء الله مباشرة. ومع ذلك يعتبر البهائيون حضرة عبد البهاء نموذجًا فريدًا ورائدًا ومثلاً أعلى لتطبيق التعاليم والمبادئ البهائية، وقد وصفه حضرة شوقي أفندي بالعبارات التالية:

إنَّه يمثل دومًا في المقام الأول والرئيسي محور ومركز عهد حضرة بهاء الله الفذ والذي لا نظير له، كما أنَّه أسمى ما صنعته يد عنايته، والمرآة الصافية التي يتجلى فيها نوره، والمثل الكامل لتعاليمه، والمفسر المصون عن الخطأ لكلماته وآياته، والجامع لجميع الصفات والأخلاق البهائية. وقد امتزجت في شخصيته، الصفات البشرية المختلفة مع الفضائل والكمالات الإﻟﻬﻴﺔ بشكل متلائم تمامًا([45])".

إنَّ الإيمان الراسخ بإمكانيّة تحقيق الوحدة العالميّة مدعومًا بالإرادة والعزيمة للعمل تجاه هذا الهدف يمكن اعتباره من أكثر صفات الجامعة البهائيّة تميّزًا، ويعد من الفروق الواضحة بين هذا الدين والأديان السابقة. وطبقًا للتعاليم الروحية والمبادئ الأساسية للدين البهائي فإنَّ هناك أوجه تقارب مع الأديان المعروفة وبالذات الأديان الساميّة مثل اليهودية والمسيحية والإسلام. إنَّ قناعة البهائية في الوصول إلى الوحدة العالمية ووحدة الحضارة نابع من الإيمان بميثاق حضرة بهاء الله وهو أمر فريد وحديث. وبالنسبة إلى إمكانية تحقيق الوحدة والحضارة العالمية يقول الدكتور وارن واغر وهو أستاذ امريكي في علم الاجتماع ما يلي:
من بين جميع الأديان المعاصرة التي تدعي أنَّها سماوية فإنَّ الدين البهائي هو الدين الوحيد الذي انفرد بالحديث عن وحدة الجنس البشري بكل وضوح وتركيز" أمَّا الميثاق الخاص الذي أبرمه حضرة بهاء الله مع البشرية فإنّه يعمل من خلال نظام يطلق عليه النظام الإداري. وقد سبق أن لاحظنا أنَّ تعاليم وآثار حضرة بهاء الله تضم مختلف المواضيع، ومن ضمنها المفاهيم الرئيسية للإيمان والعرفان والمبادئ والنصائح التي وجهها للبشرية والأحكام والقوانين التي اعتبرها أمرًا ضروريًا للتطور الشخصي وللمنظمات الاجتماعية، كما أشار أيضًا إلى مؤسسات معينة واعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الظهور البهائي ولا يمكن استبعادها عن التعاليم الروحانية.
وعلى ذلك فإنَّ النظام الإداري البهائي يتكون من أحكام وتعاليم من جهة، ومؤسسات تقع ضمن الجامعة البهائية من جهة أخرى، وهذا النظام الإداري يعتبر في الواقع تعبيرًا أساسيًا للعهد الخاص الذي جاء به حضرة بهاء الله للجنس البشري. ومن الخصائص المميزة للعهد الخاص في الحقيقة هو أنَّ حضرة بهاء الله حدد الأحكام والمؤسسات التي يجب أن تحكم شئون الجامعة وأعضائها عبر التاريخ. علاوة على ذلك شرح حضرته في آثاره المقدسة المذيّلة بختمه وتوقيعه طبيعة كل مؤسسة من هذه المؤسسات بما فيه حدود اختصاصاتها وامتيازاتها ووظائفها ودورها. أمَّا قاعدة هذا النظام فقد وضعها حضرة عبد البهاء وحضرة ولي أمر الله حيث أعطيت لهما مطلق الصلاحية من قبل حضرة بهاء الله.

إنَّ المؤسّستين الرئيسيتين للنظام الإداري اللتين وصفهما حضرة شوقي أفندي أنهما أعمدة هذا النظام هما مؤسسة ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم. أمَّا وظيفة ولي الأمر وطبيعة السلطة المخوّلة له فقد تمَّ بحثها في فصل سابق. وبالرغم من أنَّ حضرة ولي أمر الله ليس على قيد الحياة حاليًا فإنَّ تفسيره وتبيينه للتعاليم البهائية له نفس الرتبة والمنزلة للجامعة البهائية كتلك التي كانت أثناء حياته. أوجد حضرة بهاء الله بنفسه مؤسسة بيت العدل الأعظم واعتبرها أعلى هيئة تشريعية في النظام الإداري البهائي. وبالنسبة للعلاقة بين مؤسسة ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم فقد جاء في إحدى رسائل بيت العدل الأعظم ما يلي:

يجب أن يكون مفهومًا… بأنَّ أي تشريع حول أي موضوع يحظى بدراسة دقيقة ومكثفة وشاملة من قبل بيت العدل الأعظم للنصوص
المقدَّسة وآثار حضرة شوقي أفندي حول ذلك الموضوع. فالتفاسير والتوضيحات التي جاءت في كتابات حضرة ولي أمر الله تغطي مدى واسعًا من المواضيع وهي ملزمة بنفس درجة النصوص المقدسة([46])".

أطلق حضرة بهاء الله لقب "بيوت العدل" على المؤسسات التشريعية الرئيسية لدينه. يتكون بيت العدل من تسعة أفراد بالغين ينتخبون بصفة دورية بواسطة جميع الأفراد البالغين في الجامعة البهائية. وتتأسس بيوت العدل على ثلاثة مستويات: المستوى الأول: محلي ونطاق إدارته طبقًا لتنظيمات البلديات أو المحافظات. والمستوى الثاني وعادة ما يكون على مستوى مركزي. والمستوى الثالث عالمي. واليوم ظهرت مؤسسة بيت العدل الأعظم على المستوى العالمي فقط وذلك عن طريق انتخاب بيت العدل الأعظم وقد أجريت أول انتخابات له في مؤتمر عالمي عقد في عام 1963م. إنّها مؤسسة تدير شئون الجامعة البهائية في شتى أنحاء العالم، وهي الهيئة التشريعية الوحيدة للدين البهائي. وطبقًا للنصوص الواضحة والصريحة الصادرة من حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء فإنَّ القوانين التي يسّنها ويصدرها بيت العدل الأعظم لها نفس سلطة وصلاحية النصوص المباركة. والفرق الوحيد هو أنَّ بيت العدل الأعظم له الحق في إلغاء ونسخ وتعديل القوانين التي يصدرها نظرًا لتطور ونمو الجامعة البهائية ومستجدات الحياة، أما الحدود والأحكام المذكورة صراحة في الآثار المباركة فليس لبيت العدل الأعظم صلاحية تعديلها أو تغييرها.
إنَّ إدارة شئون الجامعة البهائية على المستوى المحلي والمركزي تقوم بها محافل روحانية محلية ومركزية. أما انتخاب وعمل هذه المؤسسات فهو شبيه ببيت العدل الأعظم وسيطلق عليها في المستقبل اسم بيوت العدل المحلية والخصوصية.

يؤمن البهائيون بأنَّ بيوت العدل المحلية والخصوصية هي تحت الهداية الإﻟﻬﻴﺔ أما قرارات بيت العدل الأعظم فهي ملهمة ومعصومة عن الخطأ وواجبة التنفيذ وأنَّ هذه المؤسسة بالنسبة لهم تمثل ذروة مجهود الجنس البشري في التقرب إلى الله بروح من الوحدة والأخوة. وقد أخبرنا حضرة بهاء الله بأنَّ الخالق عز وجل قد جعل هذا الأمر ممكنًا، وسيجعل قرارات بيت العدل الأعظم معصومة من الخطأ(1).
هناك أيضًا مؤسسات بهائية على المستويات القارية والمركزية والإقليمية والمحلية، بعضها ينتخب انتخابًا وتعمل من خلال المشورة الجماعية واتخاذ القرار الجماعي والبعض الآخر وجد بالتعيين ويعمل أساسًا من خلال الخدمات التي يؤديها أعضاء هذه المؤسسات. وسنتحدث عن هذا النظام بإسهاب في الفصل التالي.
إنَّ نظام المؤسسات في الدين البهائي يمثل جزءًا لا يتجزأ منه ولا يمكن فصله عن المبادئ والتعاليم الروحانية النقية. ويؤمن البهائيون بأنَّ نظامهم الإداري بمثابة الجنين ونظام اجتماعي جديد مقدّر له أن يحقق وحدة الجنس البشري. وحول هذا النظام يقول حضرة شوقي أفندي: هذا النظام الإداري يختلف أساسًا عما جاء به الأنبياء السلف لأنَّ حضرة بهاء الله بنفسه وضع مبادئه وأسّس مؤسساته وعيّن الشخص المخّول بتفسير وتبيّين كلماته ومنح السلطات الضرورية لهيئة (بيت العدل الأعظم) المقدّر له أنْ يكملّ ويطبق أحكامه التشريعية(1)".

إنَّه من الأهمية بمكان أن نميّز بكل وضوح الفرق بين النظام الإداري البهائي وبين النظام العالمي المستقبلي الذي تصّوره حضرة بهاء الله. بالنسبة للنظام العالمي، يؤمن البهائيون بأنَّ تعاليم مؤسسي دينهم لها تأثيرها التام على تأسيس حكومة عالمية وعلى السلام الدائم وإيجاد الحضارة العالمية الموحّدة. فهذا النظام العالمي بالطبع لم يتأسس بعد وإنَّما هو الهدف الذي تسعى إليه الجامعة البهائية. إلاَّ أنَّ المؤسسات الرئيسية للنظام الإداري قد تأسست بالفعل وتعمل جزءًا مكملاً للجامعة البهائية العالمية.

أوجز لنا حضرة شوقي أفندي نظرة حضرة بهاء الله في النظام العالمي للمستقبل في البيانات التالية:

إنَّ وحدة البشر كما رسمها بهاء الله تعني تأسيس حكومة عالمية تتّحد فيها اتحادًا ثابتًا وثيقًا كافة الأمم والمذاهب والأجناس والطبقات فيها، وتكون الحقوق الذاتية للحكومات المكونة لأعضائها مكفولة تمامًا، والحرية الشخصية لممثلي هذه الحكومة العالمية وتوقيعاتهم تكون محترمة نافذة. هذه الحكومة العالمية بقدر ما نستطيع تصويرها يجب أن تشتمل على هيئة تشريعية عالمية يكون أعضاؤها وكلاء عن جميع الجنس البشري وأن يكون لها الإشراف التام على موارد كافة الأمم التي تتكون منها، وأن تشّرع من القوانين ما تتطلبه نواحي الإصلاح وسد مطالب الأجناس والشعوب وتصحيح العلاقات فيما بينها، وعلى هيئة تنفيذية مؤيدة بقوة عالمية وظيفتها تنفيذ القرارات وتطبيق القوانين التي تضعها الهيئة التشريعية والمحافظة على هيكل وحدة الحكومة العالمية، وعلى محكمة عالمية تتولى الفصل والحكم النافذ البات في كل نزاع ينشأ بين العناصر المختلفة المكونة لهذا النظام العام. وبجانب هذا يجب تنظيم مركز مواصلات عالمي وتخصيص جهاز للتخاطب مع كل جزء من أجزاء الأرض ويكون بعيدًا عن كل تأثير وقيد قومي ويعمل بسرعة وكفاية تامة، وإعداد مقر عام يكون المركز النابض لمدنية عالمية تتركز حوله كل عناصر التوحيد في الحياة ومنه تنبعث أنوار آثاره المنشطة، والاتفاق على لغة عامة تبتكر أو تختار من بين اللغات الحالية تدرس في جميع مدارس الأمم المتحدة وتكون بمثابة لغة مساعدة بجانب اللغات القومية، وتنوع عالمي من حروف الطباعة والأدبيات، وشكل ونظام عالمي للعملة والموازين والمكاييل والمقاييس، كل ذلك من شأنه أن يسهل أسباب التعامل والتفاهم بين شعوب العالم وأجناسه… أما الثورات القومية والعداوات والفتن فإنها تتوقف، ويتبدل العداء العنصري والتعصب بالوفاق والتفاهم والتعاون، وتنعدم نهائيًا أسباب المشاحنات الدينية وترتفع الحواجز والقيود الاقتصادية، ويختفي التمييّز بين الطبقات…(1)".

يؤمن البهائيون بأنَّ النظام العالمي لا يمكن تحقيقه بفضل جهودهم الفردية أو لأنَّ دينهم ينص على ذلك، بل بأنَّ الإرادة الإﻟﻬﻴﺔ تعمل بطرق عدّة وعلى مستويات مختلفة وفي شتى بقاع العالم ومن خلال جميع فئات البشر لتحقيق هذا الهدف العظيم المنشود. ويرون في تأسيس عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة خطوات هامة وعملية نحو اتحاد الأمم. ولذلك نرى الكثير من البهائيين شركاء نشطين في فعاليات هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة كما الأمر في العديد من المنظمات العالمية غير السياسية. رائدهم في ذلك بأنَّ دينهم ونظامه الإداري لهما الدور الأساسي والحيوي في عملية خلق عالم موَّحد.