نقد خطبة البركة
صفحة 1 من اصل 1
نقد خطبة البركة
نقد خطبة البركة
الخطيب هو عبدالمحسن القاسم وهى تدور حول البركة والبركة معناها المعروف هو النمو والزيادة وهو معنى مأخوذ من كتب اللغة وللأسف فإنه معنى مغاير لمعنى الكلكة فى الوحى وقد استهل الرجل الخطبة بالمقدمات المعروفة ثم قال :
"أمّا بعد فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، فتقوى الله نورُ البصائِر، وبها تحيى القلوبُ والضمائر.
أيّها المسلمون، يسعَى الخلائقُ في هذِه الحياةِ بألوانٍ منَ الأعمال شتّى، يضمَحلّ منها ما كان في معصية الله وسخَطه، ويزكو ما كان في مرضاتِ الله وطاعتِه، قال سبحانه" فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأرْضِ "
وكلُّ شيءٍ لا يكونُ لله فبركتُه منزوعَة، والربُّ هو الذي يُبارِك وحدَه، والبركةُ كلُّها مِنه، وهو سبحانَه تبارَك في ذاتِه، ويباركُ فيمن شاءَ من خلقِه، قال جلّ وعلا" وَتَبَارَكَ الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَـاواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " وكلُّ ما نُسِب إليه فهو مبارَك، واسمه تعالى مباركٌ تُنال معه البركة، قال عزّ وجلّ" تَبَـارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِى الْجَلَـالِ وَالإِكْرَامِ"
هنا تفسير البركة بالمضاعفة والزيادة محال فالله لا يزيد ولا ينقص وإنما البركة هنا الدوام بمعنى أن البقاء للهأى الاستمرارية لله كما قال " وتوكل على الحى الذى لا يموت" ولاسمه وهو وحيه وهو باق مستمر كما قال تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
ثم أمد القاسم على معنى الزيادة والنمو فقال:
"والله جلّ وعلا برحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعِف البركات، وليسَت سَعةُ الرّزق والعملِ بكثرته، ولا زيادةُ العمر بتعاقُب الشهور والأعوام، ولكن سعةُ الرزقِ والعمُر بالبركة فيه.
بالعمَل المبارَك يُكتسَب الذّكر الجميل في الحياة، وجزيلُ الثوابِ في الآخرة، فيه طهارةُ القلبِ وزكاةُ النفس وعليُّ الخلُق.
والبركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته، ولا في كثير إلا نفَعَته، ولا غِنَى لأحدٍ عن بركةِ الله، حتى الأنبياء والرسل يطلبونها من خالقِهم، يقول النبيّ(ص) " بينما أيّوبُ يغتسِل عريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهَب، فجعل أيّوب يحتسي في ثوبه، فناداه ربّه" يا أيّوب، ألم أكن أغنيتُك عمّا ترى؟! قال" بلى وعزّتِك، ولكن لا غِنى بي عن بركتك" رواه البخاري."
الرواية لم يقلها النبى(ص) فالرجل وهو أيوب(ص) كما تقول الرواية كان عريانا ومع هذا جمع فى ثوبه وهو ما يعنى انه كان لابسا ملابسه وليس عريانا وهو تناقض
والبركة فى الرواية هنا لا تعنى الزيادة وإنما تعنى الرزق فأيوبوأى مسلم لا يستغنى عن رزق الله
وقال عن كون عيسى(ص) مبارك :
"والرسُل والدعاةُ مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودعوتهم إلى الخيرِ والهدى، قال عيسَى (ص)" وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا "
كون عيسى (ص)مبارك لا يعنى أنه زائد ونامى وإنما يعنى انه طاهر أى زكى أى مسلم فى أى مكان يوجد فيه كما قال عنه جبريل (ص)"قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"
وقال عن البركات النازلة على نوح(ص) ومن معه :
" ونوحٌ (ص)أُغدِق ببركاتٍ من الله" قِيلَ يانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَـامٍ مّنَّا وَبَركَـاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ " ودعا نوحٌ (ص)ربَّه بالمنزلِ المبارَك" وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ " "
والبركات هنا لا تعنى الأرزاق وكثرتها وإنما البركات تعنى أنه هو ومن معه ناجون من العقاب بطهارتهم
وأما المنزل المبارك فهو البيت الآمن أى البيت المبارك فى مكة كما قال تعالى " "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا"
ثم حدثنا عن البركة على إبراهيم(ص) واسرته فقال:
طوألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله(ص) قال تعالى" وَبَشَّرْنَـاهُ بِإِسْحَـاقَ نَبِيًّا مّنَ الصَّـالِحِينَ وَبَـارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَـاقَ " وبارَك فيه وفي أهل بيته، قال عزّ وجلّ" رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَـاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ "
ومباركة الإنسان هى تطهيره من ذنوبه بتوبته وأعماله الصالحة والبركة على اهل البيت يفسرها قوله تعالى فى النبى محمد(ص)وأسرته"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس آل البيت ويطهركم تطهيرا"
ثم نقل كلاما عن ابن القيم يفيد أن البركة بمعنى الطهارة فقال:
"قال ابن القيم " "هذا البيتُ المبارَك المطهَّر أشرفُ بيوت العالم على الإطلاق، فلم يأتِ بعدَ إبراهيمَ نبيٌّ إلاَّ من أهل بيتِه، وكلُّ من دخل الجنّةَ من أولياء الله بعدَهم فإنما دخل من طريقهم وبدعوَتهم" ودعا نبيّنا ربَّه بالبركة في العطاء في قوله (ص)" وبارِك لي فيما أعطيتَ" رواه الترمذي."
وحكاية أن كل الرسل(ص) بعد إبراهيم(ص) كانوا من ذريته خاطئة يكذبها أن لوط (ص) وهو المؤمن الوحيد به لم يكن من ذريته كما قال تعالى "فآمن له لوط"
ويكذبها أن شعيب0ص) لم يكن من ذريته ومع هذا كان بعد لوط(ص) وإبراهيم(ص) كما قال تعالى على لسان شعيب(ص) محذرا قومه "ويا قوم لا يجرمنكم شقاقى أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد"
ثم قال "
"وتحيّة المسلمين بينهم عند اللّقاء طلبُ السّلام والرحمة والبركة."
ونحية المسلمين بالسلام والرحة والبركة معناها واحد فهى تطلب الخير وهو السلام وهو الرحمة وهو البركة أى الطهارة من الذنوب للمسلم حتى يدخل الجنة
ثم قال :
"أيّها المسلمون، القرآنُ العظيم كثيرُ الخيراتِ واسِع المبرّات، كتابٌ مبارَك محكَم، فصلٌ مهيمِن، أنزله الله رحمة وشفاءً وبيانًا وهُدى، قال سبحانه" وَهَـذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـاهُ " وسورةُ البقرة سورة مبارَكة، مأمورٌ بتعلّمها، قال (ص)" تعلَّموا سورةَ البقرةِ، فإنّ أخذَها بركَة، وتركَها حَسرة، ولا تستطيعها البطَلَة أي" السّحرة. رواه أحمد."
وبركة القرآن ليست نمو وزيادة لأن القرآن لا يزيد ولا ينقص لكونه محفوظ من كل تحريف والمراد أنه دائم مستمر أى محفوظ لا يمكن لأحد أن يدخل له الباطل كما قال تعالى" وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"
ثم تحدث عن البركة فى الرزق فقال:
"وسَعة الرِّزق وبركةُ العمُر في صلةِ الرحِم، يقول المصطفى "مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه وينسَأ له أثره فليصِل رحمه" رواه البخاري.
والصادقُ في البيع والشراءِ والمعاملات مبارَكٌ له في الكَسب، مترادفٌ عليه الخير، يقول النبي " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقت بركة بيعِهما" متفق عليه."
قطعا بركة الرزق لا تعنى زيادته وإنما تعنى طهارته أى كونه حلال مباح فالبيعة لا تزيد ولا تنقص وإنما معنى المباركة فيها أنها طاهرة حلال
ثم قال :
"ولحرصِ الإسلام على الأسرةِ وحلولِ البركة فيها وعليها مِن أوّل نشأتها شُرع الدّعاء للزوجين بالبركة عند النكاح، يقول أبو هريرة كان النبيّ إذا رفّأ الإنسانَ إذا تزوّج قال له" بارَك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير" رواه الترمذي وقال" "حسن صحيح". وأوفرُ الزوجاتِ بركةً ما قلّت المؤونة في نكاحها، والزواجُ السعيد ما صاحبه اليسرُ والتسهيلُ، يقول المصطفى " أعظمُ النّساء بركةً أيسرُهنّ مؤونة" رواه أحمد. والزوجةُ المبارَكة هي المطيعةُ لله القائمة بحقوق زوجها في غير معصيةِ الله. والولدُ المبارك هو الناشئ على طاعة ربِّه، المستمسِك بسنّة نبيه (ص)، الصائنُ لنفسِه عن الذنوب والعِصيان"
مباركة العروسين تعنى الدعاء لهما بالطهارة وكونهما حلالان لبعضهما فالبركة لا تعنى أنهما يزيدان أو ينقصان ثم قال:
"وإذا دَخل ربُّ الأسرةِ دارَه شُرع إفشاءُ السلام على أهله رجاءَ البركة، يقول أنس " قال لي رسول الله " يا بنيّ، إذا دخلتَ على أهلك فسلّم، تكُن بركةً عليك وعلى أهل بيتك" رواه الترمذي وقال" "حديث حسن صحيح" والرجلُ المبارَك هو الذي ينتفَع به حيثُما حلّ، وإذا قرُب العبد من ربّه بورِك في وقته وعمِل أعمالاً كثيرةً في زمنٍ يسير أبو بكر الصديق قبل صلاة الفجر عاد مريضًا وتبِع جنازةً وأطعَم مسكينًا وأصبح صائمًا، يقول أبو هريرة " قال رسول الله(ص) " من أصبَح منكم اليومَ صائمًا؟" قال أبو بكر" أنا، قال" فمن تبِع منكم اليومَ جنازَة؟" قال أبو بكر" أنا، قال" فمَن أطعمَ منكم اليومَ مسكينًا؟" قال أبو بكر" أنا، قال" فمَن عاد مِنكم اليومَ مريضًا؟" قال أبو بكر" أنا، فقال رسول الله " ما اجتَمَعت في امرِئ إلا دخل الجنة" رواه مسلم."
بركة السلام تعنى الدعاء بالطهارة من الذنب لأهل البيت والرواية الثانية لا علاقة لها بالبركة وإنما هو استنتاج خاطىء فلم تذكر البركة فى الرواية وكذلك ما ذكره فى الفقرة التالية لا علاقة له بالبركة بمعنى الزيادة والنمو:
"وخير الصُّحبةِ صُحبةُ الصالحين، وأزكى المجالس مجالسُ الذّكر، تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها، فتقول الملائكة لربّها" فيهم فلانٌ ليس مِنهم، وإنما جاء لحاجةٍ، قال" هم الجلساءُ لا يشقى بهم جليسهم" متفق عليه. فهذا من بركَتهم على نفوسهم وعلى جليسهم.
والمالُ المبارَك ما كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه وبُذِل في طُرقِ البرّ والإحسان ابتغاءَ مرضاته، ومن قنِع بربحٍ حلال قليل وتحرّى الصدقَ في معاملاته ظهرتِ البركة في ماله وفي أولاده، قال النبيّ " من أخذه بحقّه ووضعه في حقِّه فنِعمَ المعونة" رواه البخاري."
قم تحدث عن البركة فى المال فقال:
"وسرورُ الدنيا وبهجةُ زينتِها لا تتمّ إلا بكسبٍ حلال، والمالُ يكثُر عددُه بالبذلِ والعطاء في الخيرات، قال المصطفى " ما نقصَت صدقةٌ مِن مال" رواه مسلم، وقالَ (ص)" أنفِق ينفَق عليك" رواه البخاري. ومن أخذ ما أُعْطِي بتعفُّف وغِنى بنفسٍ من غَير مسألةٍ ولا استشرافٍ له بالقلب بورِك له فيه، قال " من أخذه بطيب نفسٍ منه بورِك له فيه، ومن أخذَه بإشرافِ نفسٍ له لم يبارَك له فيه" رواه ابن حبان."
ومعنى المباركة فى الرواية الأخير هو أن المال المأخوذ حلال مباح وعدم المباركة تعنةى حرمة المال ثم حدثنا عن بركة الطعام فقال :
"والبركةُ يتحرّاها العبدُ في مأكلِه في يومه وليلتِه، فالطّعام المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك، وتجنّبتَ الأكلَ من وسط الصحفَة، وذكرتَ اسمَ الله عليه، قال (ص)" البركةُ تنزل وسطَ الطعام، فكُلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه" رواه الترمذي وقال" "حديث حسن صحيح"."
قطعا الرواية لم يقلها النبى(ص) فالبركة وهى الطهارة أى كون الطعام حلال هى لكل الطعام الحلال وليس فى جزء منه وهو الوسط والطعام يأكل كله صحيح يؤخذ من ألجناب ولكن فى النهاية الوسط العالى يسقط فى الأجناب ولا يتبقى شىء
والرواية السابقة تقول بكون البركة فى وسط الطعام والرواية التالية تناقضها حيث البركة موضعها غير معروف فى الطعام وهو قوله:
"وأمَر رسول الله بلَعقِ الأصابعِ والصحفة بعد الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، وقال" إنّكم لا تدرون في أيِّها البركة" رواه مسلم."
ثم أخبرنا الرجل برواية أخرى عن كون بركة الطعام فى الأكل الجماعة فقال:
"وفي الاجتماعِ على الطعام بركة، وفي التفرّق نزعٌ لها، يقول وحشيّ بنُ حرب" قالوا" يا رسولَ الله، إنّا نأكل ولا نشبع، قال" فلعلّكم تفترِقون"، قالوا" نعم، قال" فاجتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارَك لكم فيه" رواه أبو داود."
وهو ما يناقض أن الله أحل الأكل الفردى والأكل الجماعى فقال "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا"ومن ثم فالبركى وهى الطهارة فى الاثنين
ثم قال :
"وسيّد المياه وأنفعُها وأبركُها ماءُ زمزم، قال (ص)" إنها مبارَكة، إنها طعامُ طُعم" رواه مسلم"
والروايسة فى بركة زمزم وحدها تخالف كون الماء كله مبارك أى طاهر كما قال تعالى " وأنزل من السماء ماء طهورا"
ثم حدثنا عن البركة فى الأزمنة والأماكن فقال :
"أيّها المسلمون، اصطَفى الله من الدهرِ أزمنةً، ومِن البقاع أمكنَة، خصّها بالتشريف والبركة، فليلةُ القدر ليلةٌ مباركة رفيعةُ القدر عظيمةُ المكانة، "إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ " وأوّلُ النهار بعد صلاةِ الفجر زمنُ الغنيمة المبارك ووقتُ نزول الأرزاق وحلول البركات، أقسَم الله به في كتابِه بقوله جلّ وعلا" وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ "والنبيّ(ص) دعا بالبركةِ في بُدُوِّ الصباح، قال (ص)" اللهمَّ بارك لأمّتي في بكورها" والنومُ بين صلاة الصبحِ وشروقِ الشمس تفويتٌ لزهرة اليوم"
والبركة فى الزمن تعنى نزول الخير أى السلام فيه كليلة القدر "سلام هى حتى مطلع الفجر"
ثم قال عن بركة المكان:
"وبيتُ الله الحرام مبارك، ليس في بيوتِ العالمَ أبرك منه ولا أكثرَ خيرًا ولا أدوم ولا أنفعَ للخلائق، قال جلّ وعلا" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـالَمِينَ ""
والبركة هنا تهنى أن المكان طاهر أى آمن لا يمكن حدوث أى شر فيه لأن من يفكر فى هذا الشر ويقرر ينزل عليه العذاب قبل ان يفعل الشر وفى هذا قال تعالى فى الكعبة " ومن يرد فيه بإلحاد لظلم من عذاب أليم"
ثم قال:
"ومدينةُ المصطفى مدينةٌ مباركة، الصلاةُ في مسجِد النبيّ عن ألفِ صلاةٍ فيما سواه، وصاعُها ومدُّها مبارك فيه، وتمرُ عاليتها شِفَاء، يقول النبيّ " اللهمّ بارك لنا في مدينتِنا، وبارك لنا في صاعِنا ومُدّنا" رواه مسلم، وفي لفظٍ له" اللهمّ اجعَل مع البركة بركتين"، وقال (ص)" اللهمَّ اجعَل بالمدينة ضِعفَي ما جعلتَ بمكّة من البركة" متفق عليه. قال النوويّ " "الظاهرُ أنَّ البركةَ حصلت في نفسِ المكيل، بحيث يكفي المدّ فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمرٌ محسوسٌ عند من سَكنها"."
والروايات هنا كلها لم يقلها النبى(ص) فالله هو من قرر حرمة مكة ولم يقرر حرمة المدينة والنبى(ص) لا يمكن أن يخالف ما قرره الله فيفضل ما لم يفضله الله ثم قال:
"وبارَك الله في مواطنَ من أرضه كما في قوله تعالى" سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـاتِنَا "
والبركة هنا تعنى طهارة أى أمن المكان لا غير ثم قرر أن العمل الصالح هو من يبارك فى الفرد وليس المكان فقال:
والفضيلة الدائمةُ في كلِّ زمانٍ ومكان بالإيمانِ والعمل الصّالح، وأيّ مكانٍ وعمل كان أعونَ للشّخص كان أفضلَ في حقِّه، يقول سلمان " (إنَّ الأرضَ لا تقدّس أحدًا، وإنما يقدّس الرجلَ عملُه)."
ثم قال عن كون الذنوب سبب محو البركة فقال :
"أيّها المسلمون، إذا أظهَر العبادُ ذنوبًا تتابعَت عليهم العقوبات، وكلّما قلّتِ المعاصي في الأرض ظهرَت فيها آثار البركة من الله، وانتشارُ المعاصي وفشوّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبركات، قال جلّ وعلا" وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـاهُم مَّاء غَدَقًا لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا "
وللمعصيةِ أعظمُ تأثير في محقِ بركةِ المال والعمُر والعلم والعمَل، يقول النبيّ " وإنّ العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يصيبه" رواه ابن ماجه، قال ابن القيم " "وفي الجملةِ فالمعصيةُ تمحق بركةَ الدين والدنيا ممّن عصى الله، فلا تجد بركةً في عمُره ودينه ودنياه".
ولا يُنال ما عند الله إلا بطاعتِه، والسعادةُ في القربِ من الله، وبالإكثار من الطاعات تحُلّ البركات، وبالرجوع إليه تتفتّح لك أبوابُ الأرزاق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو التواب الرحيم."
بالقطع ليست الطاعة والمعصية سببا فى كثرة الرزق أو قلته فالمسلمون مع طاعتهم لله ابتلاهم الله بقلة الرزق وهو نقص الأموال والنفس والثمرات فقال "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
والكفار مع عصيانهم لله زادهم رزقا ليزدادوا كفرا كما قال تعالى "ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين"
ومن ثم البركة لا تعنى زيادة الأرزاق وإنما تعنى الطهارة أى الرزق الحلال قليلا أو كثيرا
ثم قال مؤكد على نفس المقولة:
"أمّا بعد أيّها المسلمون، محقُ البركةِ يجلِب قلّةَ التوفيقِ وفسادَ القلب، وأنفعُ الأشياءِ أبركُها، ومن بارَك الله فيه وعليه فهو المبارَك، ولا تُرتَجى البركة فيما لم يأذَن به الشرع الحكيم. وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزكو النفس وتصلح الأحوال وتحلّ البركاتَ على المجتمعات. ومن التزم الصدقَ في البيان أُلقِيت الحكمةُ على لسانه والسدادُ في أفعاله. ومن أخذ المال بغير حقِّه بارَ نفعُه، قال النبيّ " ومن أخذه بغير حقِّه كان كالذي يأكل ولا يشبع" رواه البخاري.
والرِّبا عديمُ النفعِ ماحقٌ للمالِ مُجلِب للهمّ، يجري أكلُه خلفَ سَراب، قال سبحانه" يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوا وَيُرْبِى الصَّدَقَـاتِ ".
والحلِف منفقةٌ للسلعة ممحِقٌ للكَسب، ومنعُ الصدقة خشيةَ النفادِ تلفٌ للمال، قال " اللهمَّ أعطِ ممسكًا تلفًا" رواه البخاري.
فالزَم جانبَ العبودية والاتباع، وابتعِد عن المحرّمات والشّبهات في المال وغير المال، يبارَك لك في الأخذ والعطاء.
ثمّ اعلَموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيّه، فقال في محكَم التنزيل" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا""
كما سبق القول البركة لا تعنى الزيادة فى الأرزاق أو خيرها وإنما تعنى دوام الشىء أو طهارته وهو كونه حلال مباح
الخطيب هو عبدالمحسن القاسم وهى تدور حول البركة والبركة معناها المعروف هو النمو والزيادة وهو معنى مأخوذ من كتب اللغة وللأسف فإنه معنى مغاير لمعنى الكلكة فى الوحى وقد استهل الرجل الخطبة بالمقدمات المعروفة ثم قال :
"أمّا بعد فاتَّقوا الله ـ عبادَ الله ـ حقَّ التقوى، فتقوى الله نورُ البصائِر، وبها تحيى القلوبُ والضمائر.
أيّها المسلمون، يسعَى الخلائقُ في هذِه الحياةِ بألوانٍ منَ الأعمال شتّى، يضمَحلّ منها ما كان في معصية الله وسخَطه، ويزكو ما كان في مرضاتِ الله وطاعتِه، قال سبحانه" فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأرْضِ "
وكلُّ شيءٍ لا يكونُ لله فبركتُه منزوعَة، والربُّ هو الذي يُبارِك وحدَه، والبركةُ كلُّها مِنه، وهو سبحانَه تبارَك في ذاتِه، ويباركُ فيمن شاءَ من خلقِه، قال جلّ وعلا" وَتَبَارَكَ الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَـاواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " وكلُّ ما نُسِب إليه فهو مبارَك، واسمه تعالى مباركٌ تُنال معه البركة، قال عزّ وجلّ" تَبَـارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِى الْجَلَـالِ وَالإِكْرَامِ"
هنا تفسير البركة بالمضاعفة والزيادة محال فالله لا يزيد ولا ينقص وإنما البركة هنا الدوام بمعنى أن البقاء للهأى الاستمرارية لله كما قال " وتوكل على الحى الذى لا يموت" ولاسمه وهو وحيه وهو باق مستمر كما قال تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
ثم أمد القاسم على معنى الزيادة والنمو فقال:
"والله جلّ وعلا برحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعِف البركات، وليسَت سَعةُ الرّزق والعملِ بكثرته، ولا زيادةُ العمر بتعاقُب الشهور والأعوام، ولكن سعةُ الرزقِ والعمُر بالبركة فيه.
بالعمَل المبارَك يُكتسَب الذّكر الجميل في الحياة، وجزيلُ الثوابِ في الآخرة، فيه طهارةُ القلبِ وزكاةُ النفس وعليُّ الخلُق.
والبركةُ ما كانت في قليلٍ إلاَّ كثَّرته، ولا في كثير إلا نفَعَته، ولا غِنَى لأحدٍ عن بركةِ الله، حتى الأنبياء والرسل يطلبونها من خالقِهم، يقول النبيّ(ص) " بينما أيّوبُ يغتسِل عريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهَب، فجعل أيّوب يحتسي في ثوبه، فناداه ربّه" يا أيّوب، ألم أكن أغنيتُك عمّا ترى؟! قال" بلى وعزّتِك، ولكن لا غِنى بي عن بركتك" رواه البخاري."
الرواية لم يقلها النبى(ص) فالرجل وهو أيوب(ص) كما تقول الرواية كان عريانا ومع هذا جمع فى ثوبه وهو ما يعنى انه كان لابسا ملابسه وليس عريانا وهو تناقض
والبركة فى الرواية هنا لا تعنى الزيادة وإنما تعنى الرزق فأيوبوأى مسلم لا يستغنى عن رزق الله
وقال عن كون عيسى(ص) مبارك :
"والرسُل والدعاةُ مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودعوتهم إلى الخيرِ والهدى، قال عيسَى (ص)" وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا "
كون عيسى (ص)مبارك لا يعنى أنه زائد ونامى وإنما يعنى انه طاهر أى زكى أى مسلم فى أى مكان يوجد فيه كما قال عنه جبريل (ص)"قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا"
وقال عن البركات النازلة على نوح(ص) ومن معه :
" ونوحٌ (ص)أُغدِق ببركاتٍ من الله" قِيلَ يانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَـامٍ مّنَّا وَبَركَـاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ " ودعا نوحٌ (ص)ربَّه بالمنزلِ المبارَك" وَقُل رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ " "
والبركات هنا لا تعنى الأرزاق وكثرتها وإنما البركات تعنى أنه هو ومن معه ناجون من العقاب بطهارتهم
وأما المنزل المبارك فهو البيت الآمن أى البيت المبارك فى مكة كما قال تعالى " "إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا"
ثم حدثنا عن البركة على إبراهيم(ص) واسرته فقال:
طوألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله(ص) قال تعالى" وَبَشَّرْنَـاهُ بِإِسْحَـاقَ نَبِيًّا مّنَ الصَّـالِحِينَ وَبَـارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَـاقَ " وبارَك فيه وفي أهل بيته، قال عزّ وجلّ" رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَـاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ "
ومباركة الإنسان هى تطهيره من ذنوبه بتوبته وأعماله الصالحة والبركة على اهل البيت يفسرها قوله تعالى فى النبى محمد(ص)وأسرته"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس آل البيت ويطهركم تطهيرا"
ثم نقل كلاما عن ابن القيم يفيد أن البركة بمعنى الطهارة فقال:
"قال ابن القيم " "هذا البيتُ المبارَك المطهَّر أشرفُ بيوت العالم على الإطلاق، فلم يأتِ بعدَ إبراهيمَ نبيٌّ إلاَّ من أهل بيتِه، وكلُّ من دخل الجنّةَ من أولياء الله بعدَهم فإنما دخل من طريقهم وبدعوَتهم" ودعا نبيّنا ربَّه بالبركة في العطاء في قوله (ص)" وبارِك لي فيما أعطيتَ" رواه الترمذي."
وحكاية أن كل الرسل(ص) بعد إبراهيم(ص) كانوا من ذريته خاطئة يكذبها أن لوط (ص) وهو المؤمن الوحيد به لم يكن من ذريته كما قال تعالى "فآمن له لوط"
ويكذبها أن شعيب0ص) لم يكن من ذريته ومع هذا كان بعد لوط(ص) وإبراهيم(ص) كما قال تعالى على لسان شعيب(ص) محذرا قومه "ويا قوم لا يجرمنكم شقاقى أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد"
ثم قال "
"وتحيّة المسلمين بينهم عند اللّقاء طلبُ السّلام والرحمة والبركة."
ونحية المسلمين بالسلام والرحة والبركة معناها واحد فهى تطلب الخير وهو السلام وهو الرحمة وهو البركة أى الطهارة من الذنوب للمسلم حتى يدخل الجنة
ثم قال :
"أيّها المسلمون، القرآنُ العظيم كثيرُ الخيراتِ واسِع المبرّات، كتابٌ مبارَك محكَم، فصلٌ مهيمِن، أنزله الله رحمة وشفاءً وبيانًا وهُدى، قال سبحانه" وَهَـذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـاهُ " وسورةُ البقرة سورة مبارَكة، مأمورٌ بتعلّمها، قال (ص)" تعلَّموا سورةَ البقرةِ، فإنّ أخذَها بركَة، وتركَها حَسرة، ولا تستطيعها البطَلَة أي" السّحرة. رواه أحمد."
وبركة القرآن ليست نمو وزيادة لأن القرآن لا يزيد ولا ينقص لكونه محفوظ من كل تحريف والمراد أنه دائم مستمر أى محفوظ لا يمكن لأحد أن يدخل له الباطل كما قال تعالى" وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"
ثم تحدث عن البركة فى الرزق فقال:
"وسَعة الرِّزق وبركةُ العمُر في صلةِ الرحِم، يقول المصطفى "مَن أحبَّ أن يُبسَط له في رِزقه وينسَأ له أثره فليصِل رحمه" رواه البخاري.
والصادقُ في البيع والشراءِ والمعاملات مبارَكٌ له في الكَسب، مترادفٌ عليه الخير، يقول النبي " البيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقت بركة بيعِهما" متفق عليه."
قطعا بركة الرزق لا تعنى زيادته وإنما تعنى طهارته أى كونه حلال مباح فالبيعة لا تزيد ولا تنقص وإنما معنى المباركة فيها أنها طاهرة حلال
ثم قال :
"ولحرصِ الإسلام على الأسرةِ وحلولِ البركة فيها وعليها مِن أوّل نشأتها شُرع الدّعاء للزوجين بالبركة عند النكاح، يقول أبو هريرة كان النبيّ إذا رفّأ الإنسانَ إذا تزوّج قال له" بارَك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير" رواه الترمذي وقال" "حسن صحيح". وأوفرُ الزوجاتِ بركةً ما قلّت المؤونة في نكاحها، والزواجُ السعيد ما صاحبه اليسرُ والتسهيلُ، يقول المصطفى " أعظمُ النّساء بركةً أيسرُهنّ مؤونة" رواه أحمد. والزوجةُ المبارَكة هي المطيعةُ لله القائمة بحقوق زوجها في غير معصيةِ الله. والولدُ المبارك هو الناشئ على طاعة ربِّه، المستمسِك بسنّة نبيه (ص)، الصائنُ لنفسِه عن الذنوب والعِصيان"
مباركة العروسين تعنى الدعاء لهما بالطهارة وكونهما حلالان لبعضهما فالبركة لا تعنى أنهما يزيدان أو ينقصان ثم قال:
"وإذا دَخل ربُّ الأسرةِ دارَه شُرع إفشاءُ السلام على أهله رجاءَ البركة، يقول أنس " قال لي رسول الله " يا بنيّ، إذا دخلتَ على أهلك فسلّم، تكُن بركةً عليك وعلى أهل بيتك" رواه الترمذي وقال" "حديث حسن صحيح" والرجلُ المبارَك هو الذي ينتفَع به حيثُما حلّ، وإذا قرُب العبد من ربّه بورِك في وقته وعمِل أعمالاً كثيرةً في زمنٍ يسير أبو بكر الصديق قبل صلاة الفجر عاد مريضًا وتبِع جنازةً وأطعَم مسكينًا وأصبح صائمًا، يقول أبو هريرة " قال رسول الله(ص) " من أصبَح منكم اليومَ صائمًا؟" قال أبو بكر" أنا، قال" فمن تبِع منكم اليومَ جنازَة؟" قال أبو بكر" أنا، قال" فمَن أطعمَ منكم اليومَ مسكينًا؟" قال أبو بكر" أنا، قال" فمَن عاد مِنكم اليومَ مريضًا؟" قال أبو بكر" أنا، فقال رسول الله " ما اجتَمَعت في امرِئ إلا دخل الجنة" رواه مسلم."
بركة السلام تعنى الدعاء بالطهارة من الذنب لأهل البيت والرواية الثانية لا علاقة لها بالبركة وإنما هو استنتاج خاطىء فلم تذكر البركة فى الرواية وكذلك ما ذكره فى الفقرة التالية لا علاقة له بالبركة بمعنى الزيادة والنمو:
"وخير الصُّحبةِ صُحبةُ الصالحين، وأزكى المجالس مجالسُ الذّكر، تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها، فتقول الملائكة لربّها" فيهم فلانٌ ليس مِنهم، وإنما جاء لحاجةٍ، قال" هم الجلساءُ لا يشقى بهم جليسهم" متفق عليه. فهذا من بركَتهم على نفوسهم وعلى جليسهم.
والمالُ المبارَك ما كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه وبُذِل في طُرقِ البرّ والإحسان ابتغاءَ مرضاته، ومن قنِع بربحٍ حلال قليل وتحرّى الصدقَ في معاملاته ظهرتِ البركة في ماله وفي أولاده، قال النبيّ " من أخذه بحقّه ووضعه في حقِّه فنِعمَ المعونة" رواه البخاري."
قم تحدث عن البركة فى المال فقال:
"وسرورُ الدنيا وبهجةُ زينتِها لا تتمّ إلا بكسبٍ حلال، والمالُ يكثُر عددُه بالبذلِ والعطاء في الخيرات، قال المصطفى " ما نقصَت صدقةٌ مِن مال" رواه مسلم، وقالَ (ص)" أنفِق ينفَق عليك" رواه البخاري. ومن أخذ ما أُعْطِي بتعفُّف وغِنى بنفسٍ من غَير مسألةٍ ولا استشرافٍ له بالقلب بورِك له فيه، قال " من أخذه بطيب نفسٍ منه بورِك له فيه، ومن أخذَه بإشرافِ نفسٍ له لم يبارَك له فيه" رواه ابن حبان."
ومعنى المباركة فى الرواية الأخير هو أن المال المأخوذ حلال مباح وعدم المباركة تعنةى حرمة المال ثم حدثنا عن بركة الطعام فقال :
"والبركةُ يتحرّاها العبدُ في مأكلِه في يومه وليلتِه، فالطّعام المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك، وتجنّبتَ الأكلَ من وسط الصحفَة، وذكرتَ اسمَ الله عليه، قال (ص)" البركةُ تنزل وسطَ الطعام، فكُلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه" رواه الترمذي وقال" "حديث حسن صحيح"."
قطعا الرواية لم يقلها النبى(ص) فالبركة وهى الطهارة أى كون الطعام حلال هى لكل الطعام الحلال وليس فى جزء منه وهو الوسط والطعام يأكل كله صحيح يؤخذ من ألجناب ولكن فى النهاية الوسط العالى يسقط فى الأجناب ولا يتبقى شىء
والرواية السابقة تقول بكون البركة فى وسط الطعام والرواية التالية تناقضها حيث البركة موضعها غير معروف فى الطعام وهو قوله:
"وأمَر رسول الله بلَعقِ الأصابعِ والصحفة بعد الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، وقال" إنّكم لا تدرون في أيِّها البركة" رواه مسلم."
ثم أخبرنا الرجل برواية أخرى عن كون بركة الطعام فى الأكل الجماعة فقال:
"وفي الاجتماعِ على الطعام بركة، وفي التفرّق نزعٌ لها، يقول وحشيّ بنُ حرب" قالوا" يا رسولَ الله، إنّا نأكل ولا نشبع، قال" فلعلّكم تفترِقون"، قالوا" نعم، قال" فاجتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارَك لكم فيه" رواه أبو داود."
وهو ما يناقض أن الله أحل الأكل الفردى والأكل الجماعى فقال "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا"ومن ثم فالبركى وهى الطهارة فى الاثنين
ثم قال :
"وسيّد المياه وأنفعُها وأبركُها ماءُ زمزم، قال (ص)" إنها مبارَكة، إنها طعامُ طُعم" رواه مسلم"
والروايسة فى بركة زمزم وحدها تخالف كون الماء كله مبارك أى طاهر كما قال تعالى " وأنزل من السماء ماء طهورا"
ثم حدثنا عن البركة فى الأزمنة والأماكن فقال :
"أيّها المسلمون، اصطَفى الله من الدهرِ أزمنةً، ومِن البقاع أمكنَة، خصّها بالتشريف والبركة، فليلةُ القدر ليلةٌ مباركة رفيعةُ القدر عظيمةُ المكانة، "إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ " وأوّلُ النهار بعد صلاةِ الفجر زمنُ الغنيمة المبارك ووقتُ نزول الأرزاق وحلول البركات، أقسَم الله به في كتابِه بقوله جلّ وعلا" وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ "والنبيّ(ص) دعا بالبركةِ في بُدُوِّ الصباح، قال (ص)" اللهمَّ بارك لأمّتي في بكورها" والنومُ بين صلاة الصبحِ وشروقِ الشمس تفويتٌ لزهرة اليوم"
والبركة فى الزمن تعنى نزول الخير أى السلام فيه كليلة القدر "سلام هى حتى مطلع الفجر"
ثم قال عن بركة المكان:
"وبيتُ الله الحرام مبارك، ليس في بيوتِ العالمَ أبرك منه ولا أكثرَ خيرًا ولا أدوم ولا أنفعَ للخلائق، قال جلّ وعلا" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـالَمِينَ ""
والبركة هنا تهنى أن المكان طاهر أى آمن لا يمكن حدوث أى شر فيه لأن من يفكر فى هذا الشر ويقرر ينزل عليه العذاب قبل ان يفعل الشر وفى هذا قال تعالى فى الكعبة " ومن يرد فيه بإلحاد لظلم من عذاب أليم"
ثم قال:
"ومدينةُ المصطفى مدينةٌ مباركة، الصلاةُ في مسجِد النبيّ عن ألفِ صلاةٍ فيما سواه، وصاعُها ومدُّها مبارك فيه، وتمرُ عاليتها شِفَاء، يقول النبيّ " اللهمّ بارك لنا في مدينتِنا، وبارك لنا في صاعِنا ومُدّنا" رواه مسلم، وفي لفظٍ له" اللهمّ اجعَل مع البركة بركتين"، وقال (ص)" اللهمَّ اجعَل بالمدينة ضِعفَي ما جعلتَ بمكّة من البركة" متفق عليه. قال النوويّ " "الظاهرُ أنَّ البركةَ حصلت في نفسِ المكيل، بحيث يكفي المدّ فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمرٌ محسوسٌ عند من سَكنها"."
والروايات هنا كلها لم يقلها النبى(ص) فالله هو من قرر حرمة مكة ولم يقرر حرمة المدينة والنبى(ص) لا يمكن أن يخالف ما قرره الله فيفضل ما لم يفضله الله ثم قال:
"وبارَك الله في مواطنَ من أرضه كما في قوله تعالى" سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـاتِنَا "
والبركة هنا تعنى طهارة أى أمن المكان لا غير ثم قرر أن العمل الصالح هو من يبارك فى الفرد وليس المكان فقال:
والفضيلة الدائمةُ في كلِّ زمانٍ ومكان بالإيمانِ والعمل الصّالح، وأيّ مكانٍ وعمل كان أعونَ للشّخص كان أفضلَ في حقِّه، يقول سلمان " (إنَّ الأرضَ لا تقدّس أحدًا، وإنما يقدّس الرجلَ عملُه)."
ثم قال عن كون الذنوب سبب محو البركة فقال :
"أيّها المسلمون، إذا أظهَر العبادُ ذنوبًا تتابعَت عليهم العقوبات، وكلّما قلّتِ المعاصي في الأرض ظهرَت فيها آثار البركة من الله، وانتشارُ المعاصي وفشوّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبركات، قال جلّ وعلا" وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـاهُم مَّاء غَدَقًا لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا "
وللمعصيةِ أعظمُ تأثير في محقِ بركةِ المال والعمُر والعلم والعمَل، يقول النبيّ " وإنّ العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يصيبه" رواه ابن ماجه، قال ابن القيم " "وفي الجملةِ فالمعصيةُ تمحق بركةَ الدين والدنيا ممّن عصى الله، فلا تجد بركةً في عمُره ودينه ودنياه".
ولا يُنال ما عند الله إلا بطاعتِه، والسعادةُ في القربِ من الله، وبالإكثار من الطاعات تحُلّ البركات، وبالرجوع إليه تتفتّح لك أبوابُ الأرزاق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو التواب الرحيم."
بالقطع ليست الطاعة والمعصية سببا فى كثرة الرزق أو قلته فالمسلمون مع طاعتهم لله ابتلاهم الله بقلة الرزق وهو نقص الأموال والنفس والثمرات فقال "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
والكفار مع عصيانهم لله زادهم رزقا ليزدادوا كفرا كما قال تعالى "ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين"
ومن ثم البركة لا تعنى زيادة الأرزاق وإنما تعنى الطهارة أى الرزق الحلال قليلا أو كثيرا
ثم قال مؤكد على نفس المقولة:
"أمّا بعد أيّها المسلمون، محقُ البركةِ يجلِب قلّةَ التوفيقِ وفسادَ القلب، وأنفعُ الأشياءِ أبركُها، ومن بارَك الله فيه وعليه فهو المبارَك، ولا تُرتَجى البركة فيما لم يأذَن به الشرع الحكيم. وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزكو النفس وتصلح الأحوال وتحلّ البركاتَ على المجتمعات. ومن التزم الصدقَ في البيان أُلقِيت الحكمةُ على لسانه والسدادُ في أفعاله. ومن أخذ المال بغير حقِّه بارَ نفعُه، قال النبيّ " ومن أخذه بغير حقِّه كان كالذي يأكل ولا يشبع" رواه البخاري.
والرِّبا عديمُ النفعِ ماحقٌ للمالِ مُجلِب للهمّ، يجري أكلُه خلفَ سَراب، قال سبحانه" يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوا وَيُرْبِى الصَّدَقَـاتِ ".
والحلِف منفقةٌ للسلعة ممحِقٌ للكَسب، ومنعُ الصدقة خشيةَ النفادِ تلفٌ للمال، قال " اللهمَّ أعطِ ممسكًا تلفًا" رواه البخاري.
فالزَم جانبَ العبودية والاتباع، وابتعِد عن المحرّمات والشّبهات في المال وغير المال، يبارَك لك في الأخذ والعطاء.
ثمّ اعلَموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيّه، فقال في محكَم التنزيل" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا""
كما سبق القول البركة لا تعنى الزيادة فى الأرزاق أو خيرها وإنما تعنى دوام الشىء أو طهارته وهو كونه حلال مباح
رضا البطاوى- عدد المساهمات : 2033
تاريخ التسجيل : 05/01/2011
مواضيع مماثلة
» نظرات فى خطبة تأملات حول معنى البركة
» نقد خطبة أين المفر ؟
» نقد خطبة ( حمى الأسهم )
» نقد خطبة قصة الهجرة
» نظرات فى خطبة خسر المتشائمون
» نقد خطبة أين المفر ؟
» نقد خطبة ( حمى الأسهم )
» نقد خطبة قصة الهجرة
» نظرات فى خطبة خسر المتشائمون
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى